روائع مختارة | روضة الدعاة | زاد الدعاة | الأجر يقع بمجرد الدعوة ولا يتوقف على الإستجابة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
روائع مختارة
الصفحة الرئيسية > روائع مختارة > روضة الدعاة > زاد الدعاة > الأجر يقع بمجرد الدعوة ولا يتوقف على الإستجابة


  الأجر يقع بمجرد الدعوة ولا يتوقف على الإستجابة
     عدد مرات المشاهدة: 2841        عدد مرات الإرسال: 0

أولاً ـ وهذه القاعدة تعالج خطأ شائعاً عند كثيرين، وهو أن الأجر يترتب على النتيجة الدنيوية الظاهرة، مشبهين ذلك بالأعمال الدنيوية التي يُنظر فيها إلى النتائج المحسوسة، ولو كان الأمر في الدعوة كذلك، لكان كثير من أنبياء الله صلوات الله عليهم محكوماً عليه بالإخفاق، وحاشا لأنبياء الله أن يوصفوا بهذا، رغم قلة المؤمنين بدعوتهم. فهذا نوح عليه السلام يدعو قومه ويمكث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاماً.

قال الله تعالى: {ولقد أرسلنا نوحاً إلى قومه فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاماً فأخذهم الطوفان وهم ظالمون} [العنكبوت:14]، وظاهر سياق الآية -كما يقول ابن كثير- أنه مكث في قومه يدعوهم إلى الله ألف سنة إلا خمسين عاماً -تفسير ابن كثير 5/413.

ورغم هذا المكث الطويل فإنه لم يؤمن من قومه إلا قليل، قال تعالى: {حتى إذا جاء أمرنا وفار التنور قلنا احمل فيها من كل زوجين اثنين وأهلك إلا من سبق عليه القول ومن آمن، وما آمن معه إلا قليل} [هود:40].

ويلاحظ الإستثناء في الآية بعد قوله: {ومن آمن} حتى لا يُفهم بأن عدد المؤمنين كان كبيراً قال: {وما آمن معه إلا قليل}.

وكذلك كان أمر أكثر الأنبياء فإنهم يحشرون يوم القيامة، ومع بعضهم الواحد والاثنان والثلاثة، وبعضهم لا يكون معه أحد من المؤمنين، أخرج الترمذي من طريق ابن عباس رضي الله عنهما قال: لما أسري بالنبي صلى الله عليه وسلم جعل يمر بالنبي والنبيين ومعهم القوم، والنبي والنبيين ومعهم الرهط، والنبي والنبيين وليس معهم أحد.

ولذلك فقد وجه الله تعالى رسول محمداً صلى الله عليه وسلم إلى هذا المعنى عندما أمره بالدعوة والتبليغ ولم يطالبه بالنتيجة، فقال:{فإن أعرضوا فما أرسلناك عليهم حفيظاً إن عليك إلا البلاغ} [الشورى:48].. وقال: {فهل على الرسل إلا البلاغ المبين} [النحل:35].. وقال: {وما على الرسول إلا البلاغ المبين} [النور:54].

فأمر الهداية بيد الله تعالى، وهو القائل: {إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء}    [القصص:56].

ثانياً ـ ومن فقه هذه القاعدة أن الداعية لا يقع تحت الإحباط والضغوط النفسية الناشئة عن إعراض الناس وعدم إستجابتهم، ولقد رفع الله تبارك وتعالى الحرج عن نبيه صلى الله عليه وسلم ولم يكلفه إلا بما يستطيع، فقال: {ليس عليك هداهم} [البقرة:272]، وقال له: {فلعلك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفا} [الكهف:6]، وقال: {فلا تذهب نفسك عليهم حسرات} [فاطر:8]، وقل: {ولا تحزن عليهم} [النحل:127]، وفي هذه الآيات تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم حيث كان الحريص على إيصال الخير والهداية إليهم ولكنهم عموا وصمّوا.

والقلب الرحيم يتقطع عندما يرى الناس يتهافتون في النار تهافت الفراش، وكذلك كان حال رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء التوجيه الرباني: {فلعلك باخع نفسك؟!} أي مهلكها أسىً وأسفاً عليهم لأنهم لم يؤمنوا بالقرآن الكريم. قال قتادة -لعلك قاتل نفسك غضباً وحزناً عليهم؟!- وقال مجاهد: جزعاً والمعنى متقارب، أي لا تأسف عليهم بل أبلغهم رسالة الله، فمن إهتدى فلنفسه، ومن ضل فإنما يضل عليها -تفسيرابن كثير 4/367..

وكذلك رُفع هذا الحرج عن الدعاة من أمة محمد صلى الله عليه وسلم إن لم يهتد الناس ولم يستجيبوا لهم بعد إستنفاد غاية الجهد معهم، لأن الله لا يكلف نفساً إلا وسعها.

ثالثاً ـ وفي هذه القاعدة علاج لأولئك المتعجلين من الدعاة الذين ينتظرون النتائج الدنيوية الظاهرة، ويجعلونها شرطاً للمواصلة والسير في طريق الدعوة، وهذا التلازم إنما هو سوء فهم من جهة، ومخالفة صريحة لقواعد الدعوة في القرآن والسنة من جهة أخرى.

ولقد أكد القرآن الكريم عدم التلازم بين الدعوة والإستجابة، فقد يبذل الداعية قصارى جهده، ولا يجد من المدعو سوى الإعراض، وقد جعل القرآن الكريم بين الدعوة والإستجابة مرحلة وسيطة يبدو أنها ضرورية، وهي مقتضى قوله تعالى: {حتى إذا استيأس الرُسل}، وهي مرحلة {وظنوا أنهم قد كُذبوا} والوصول إلى هذه المرحلة وسيط بين الدعوة وبين المرحلة الثالثة {جاءهم نصرنا} [يوسف:110].

قال ابن كثير: يذكر تعالى أن نصره ينزل على رُسله صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين عند ضيق الحال وإنتظار الفرج من الله في أحوج الأوقات إليه -تفسير ابن كثير 4/160-، كقوله تعالى:{وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله} [البقرة:214].

وقد فهمت عائشة رضي الله عنها أن هذا الظن إنما هو ظن الأتباع لا ظنُّ الرسل أنفسهم، وذلك عندما قال لها عروة: فقد إستيقنوا أن قومهم كذبوهم فما هو بالظن، قالت: أجل، لعمري لقد إستيقنوا بذلك، فقلت لها: وظنوا أنهم قد كُذبوا؟ قالت: معاذ الله لم تكن الرسل تظن ذلك بربها، قلت فما هذه الآية؟ قالت: هم أتباع الرسل الذين آمنوا بربهم وصدقوهم، فطال عليهم البلاء، واستأخر عنهم النصر، حتى ظن الرسل أن أتباعهم قد كذبوهم، وذلك بناء على قراءة عائشة رضي الله عنها بتشديد {كُذبوا} فيكون الفاعل الأتباع لا الرسل -الكشف عن وجوه القراءات 4/16، وهو توجيه يليق بمقام الرسل الكرام، وإذا جعلنا الضمير للرسل كان ظنهم حينئذ أن قومهم قد كذبوهم، ولا مانع من الجمع بين المكذبين من أقوام الرسل وبين المتعجلين الظانين بالله ظن السوء.

رابعاً ـ ولا يعنى هذا أن الداعية غير مطالب ببذل قصارى جهده، وإستخدام أحسن ما يستطيع من الأساليب والوسائل، وهذا ما سنذكره في قاعدة البلاغ التالية.

المصدر: موقع لها أون لاين.